«المرأة التي أبصرت بعينها».. طه حسين واصفاً زوجته 

«المرأة التي أبصرت بعينها».. طه حسين واصفاً زوجته 

حظيت قضية المرأة فى مشروع طه حسين التنويرى بحضور تكرر بأشكال متعددة فكريًّا وأدبياً، بل تُعد قضيتها أحد أعمدة التنوير الأساسية في رؤية العميد، وتكاد تكون العنصر الأساسي والأبرز في أعماله ومؤلفاته بما في ذلك سيرته الذاتية، فكان حريصًا على أن تنال المرأة فى مصر حريتَها وحقَّها فى التعليم واختيار الزوج والعمل، فضلاً عن كونه له الفضل فى أن تنال المرأة المصرية حقَّها فى دخول الجامعة، حيث لفت آنذاك أن جملة «حق دخول الجامعة لكل مصري» التي جاءت في نص الدستور المصرى تُعني الرجال والنساء علي حد سواء، وقد كان له ما أراد،  وتخرجت من بين هؤلاء الفتيات الدكتورة سهير القلماوى، التى وُصفت بأنها «الابنة الروحية لطه حسين». 

وتعددت طرق وصور تناول العميد لقضايا المرأة في أعماله الأدبية نذكر من بينها؛ «دعاء الكروان» الذي جسَّد فيه كيف تُغتال المرأة وتفقد حياتها نتيجة لأعراف اجتماعية، وفي سيرته الذاتية «الأيام» يُشير العميد إلى ما كانت تعانيه المرأة المصرية فى ذلك الوقت من تزويجها مبكراً، وحرمانها من أبسط حقوقها الانسانية، أما عن راويته «خطبة الشيخ» فهي واحدة من اوئل الروايات التي حملت طابع تقدمي تنويري تبرز فيه قضية حرية المرأة واستقلالها المادي والمعنوي وعدم خضوعها لعادات وتقاليد المجتمع التي تفرض عليها، وتجري أحداثها عام ١٩١٣،  تظهر فيها شخصية «إحسان» كامرأة متعلمة مثقفة تُجيد الفرنسية والعربية، تناصر عن قضايا المرأة وتدافع عن حقها في التعلم والعمل، في مواجهة تزمت رجال الدين ومحاولاتهم التضيق علي المرأة وتحجيم دورها.

وكذلك عندما تنتقل إلي مجموعته القصصية «المعذبون في الأرض» تجد طه حسين يُثير في قصة «صفاء» قضية تعليم المرأة وما تتعرض له من ظلم وقمع يمحو شخصيتها وصور عديدة فيها تفريق صريح في المعاملة بين الذكر والأنثي، بالإضافة إلى إجبارها على الزواج دون النظر او الاعتبار لحقها في الاختيار والقرار، وتجده يتناول قضية المرأة في راوية «الحب الضائع» بشكل منفرد  حيث يتجلى وهو يسرد أغلب حكايات سيدات أوربيات يروين قصص مثل «الحب الضائع، الحب اليائس، الحب المكره، بين الحب والإثم»، فيتحدث عن خروج النساء عن القَيد والهيمنة، وعن حرياتهن التى إنْ حصَلْنَ عليها ومارسْنَها؛ لاستطَعْن أن يَظهر ويتضح جوهرُهن الحقيقى.

 وفى مشهد آخر يروي مناصرته للمرأة، جاء له في كتاب «ألوان» مقالة بعنوان «صور من المرأة فى قصص فولتير» يعدد فيه أشكال تغيُّر العواطف وتبدُّلها فى النساء والرجال، ويقول: «وهى تريد أن تُرضى هذا الحب لأنها تعوَّدت أن ترضى كل حاجاتها، وأن تبلغ كل ما تريد، ولكنها على ذلك مترددة ما دامت فى ظِل أبيها الملك، وما دامت خاضعة لنُظُم القصْر وتقاليده، فكل خصالها كامنة فى قلبها كما تكمن النار فى العود.. وإذا خرجت من المدينة ومعها طائرها ظهرت هذه الخصال كلها»، واصفاً بذلك في ختام حديثه أميرة بابلية أحبَّت فارسًا، وخرجت تبحث عنه.

أما عن اجلاله للمرأة في حياته الخاصة فقد روَّت زوجته في سيرتها الذاتية التي جاءت بعنوان «معَّك» جانب يصف نبله مع المرأة واصفاً علاقتهما الناجحة التي استمرت لنصف قرن بين مصري وفرنسية، بين إفريقي عربي مسلم، وبين أوروبية مسيحية، والتي امتد أريجها وأثرها إلي سوسن حفيدة طه حسين التي روَّت في حديث لها عن جدها في إحدي الصُحف قائلة : «جدى كان شخصية صعيدية، لكنها متحررة، بمعنى أنه كان يتمتع بكرم وحفاوة ونبل وشهامة وأدب الصعايدة وفى نفس الوقت اتسمت تلك الشخصية بالتحرر والمدنية والميل لفك قيود الرجعية، وتمثل ذلك مثلاً في أنه سمح لابنته «أمي» بالدراسة في الجامعة والسفر في رحلات، وأيضا أعطاها الحرية في العمل والتنقل لدرجة أنها كانت ضمن حملة تطوعية لعلاج مرضى الكوليرا التي تنقلت بين صعيد وربوع مصر وحدث ذلك في وقت لم تكن الفتاة حصلت على تلك الحقوق».

وفي حوار أجراه العميد مع احدي الجرائد في وقت سابق عام ١٩٥٤ ،  عند سؤاله عن رأيه في نساء اليوم أجاب قائلاً: «يا لقوة النساء، لقد آمنت منذ ذلك الوقت بأنها لا حد لها، يا لمكر النساء لقد آمنت منذ ذلك بأنه لا أخر له ولا قرار، يا لقدرة النساء على الكيد، وبراعتهن في التلوين ونهوضهن بأثقل الأعباء وثباتهن لأفدح الخطوب».. هكذا أفصح العميد عن رأيه في نساء العصر، ونظرته لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.