حكاية حرب أكتوبر 1973

حكاية حرب أكتوبر 1973

كان هناك حلم كبير يداعب قلوب العرب بعد هزيمة مريرة في عام 1967. حلم بالكرامة المفقودة، وحلم بأراضٍ ضاعت في لحظة، وحلم بنصر يعيد الهيبة. بعد حرب 1967، التي عرفت بحرب النكسة، سيطرت إسرائيل على أراضٍ شاسعة من الدول العربية: مصر فقدت سيناء، والأردن فقدت الضفة الغربية، وسوريا فقدت الجولان. كان الألم عميقًا، والمشاعر الجياشة بالنصر حلمًا بعيد المنال.

لكنَّ هذا الحلم لم يكن ليختفي بسهولة، فقد كان هناك في القلوب أمل لا يموت. وكان في الأفق قائد مصري شجاع اسمه أنور السادات، وقائد سوري حكيم اسمه حافظ الأسد، يخططان معًا لتحرير الأراضي التي اغتصبها الاحتلال الإسرائيلي.

كان الطريق إلى النصر محفوفًا بالمخاطر، وكان الإنجاز صعبًا، لكن السادات كان يعلم أن التفاوض وحده لا يكفي، وأن الكرامة لا تُسترد إلا بالقوة. بدأ التحضير للحرب، وبدأ العمل على خطة مُحكمة. كانت المفاجأة هي سلاحهم الأول، وكان الموعد يومًا تاريخيًا: 6 أكتوبر 1973.

اليوم الذي تغير فيه كل شيء

في ذلك اليوم، كان العالم كله يظن أن إسرائيل ستظل دائمًا في موقع القوة، خاصة أن يوم 6 أكتوبر هو يوم الغفران اليهودي (يوم كيبور)، وهو يوم مقدس عند الإسرائيليين، حيث يكون الجنود في حالة استرخاء، والقوات في أقل درجات التأهب. لكن السادات كان يعرف تمامًا أن مفاجأة العدو هي أول خطوة على طريق النصر.

مع غروب شمس ذلك اليوم، بدأ الهجوم. كان الهجوم من مصر على سيناء، ومن سوريا على الجولان. عبور قناة السويس كان تحديًا، ولكن مع الجهود الجبارة، عبرت القوات المصرية، ودمرت خط بارليف، الذي كان يُعتبر أحد أقوى التحصينات في العالم.

في سيناء، كانت المدفعية المصرية تصب نارها على التحصينات الإسرائيلية على ضفاف القناة. الجسور التي تم بناءها بسرعة مذهلة كانت تسمح للجنود المصريين بالعبور عبر القناة إلى الضفة الشرقية، وهناك كانت القوات المصرية تتقدم بسرعة نحو الأراضي التي كانت قد فقدتها في حرب 1967. كانت معركة شرسة، لكن المصريين استطاعوا أن يحققوا تقدمًا مدهشًا في عمق الأراضي المحتلة.

وفي الجولان، كان الهجوم السوري أيضًا قويًا. ورغم أن القوات الإسرائيلية كانت قد أعدت نفسها بشكل جيد، فقد فوجئوا بالمفاجأة السورية، وتمكنت القوات السورية من اختراق الدفاعات الإسرائيلية، وحققوا تقدمًا في الأيام الأولى.

العالم يشاهد والمفاجأة تتوالى

في الأيام الأولى، كانت المعركة تدور بشكل غير متوقع. إسرائيل، التي كانت تعتبر نفسها القوة العسكرية الوحيدة في المنطقة، لم تكن مستعدة للمفاجأة الكبرى التي أطلقها العرب. في البداية، تكبد الإسرائيليون خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وتمكن العرب من احتلال أراضٍ جديدة رغم التفوق العسكري الإسرائيلي.

لكن مع مرور الأيام، بدأ الجيش الإسرائيلي يستعيد توازنه، وقام بهجمات مضادة على الجبهتين المصرية والسورية. كانت هذه الهجمات تركز على استعادة الأراضي التي تم فقدها في الأيام الأولى من الحرب، لكن على الرغم من محاولات إسرائيل العديدة، لم تتمكن من القضاء على التفوق العربي الذي تحقق في البداية.

الضغط الدولي ووقف القتال

بعد أن تزايدت الخسائر على كلا الجانبين، بدأ العالم يضغط لوقف القتال. كانت الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي في سباق للضغط على الأطراف لإيقاف القتال، خشية من تصاعد الحرب إلى صراع دولي. كان الوقت قد حان لوقف النار، ولكن المعركة قد أحدثت تغييرًا كبيرًا في المنطقة.

في 22 أكتوبر 1973، بدأ مجلس الأمن الدولي في اتخاذ خطوات نحو وقف إطلاق النار، وفي 24 أكتوبر تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بشكل رسمي، بعد 18 يومًا من القتال المستمر.

ما بعد الحرب

على الرغم من أن الحرب انتهت دون أن تحقق أي طرف نصرًا حاسمًا، إلا أن نتائجها كانت أكثر تأثيرًا مما يتصور الكثيرون. السادات أصبح بطلًا في عيون المصريين والعرب، لأنه أظهر للعالم أن العرب قادرون على الصمود في وجه العدو، وأعادوا الكرامة التي فقدوها في حرب 1967. كانت مصر قد عبرت قناة السويس، ودمَّرت خط بارليف، واستعادت جزءًا من أرضها.

أما بالنسبة لـ إسرائيل، فقد كانت حرب أكتوبر جرس إنذار. أدرك الإسرائيليون أن جيشهم ليس غير قابل للهزيمة، وأن الأمور ليست دائمًا لصالحهم. هذه الحرب جعلت الإسرائيليين يعيدون التفكير في استراتيجياتهم المستقبلية.

ولكن الأهم من ذلك، أن الحرب كانت بداية جديدة للسلام. بعد الحرب، بدأ أنور السادات في العمل على عقد اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، والتي أدت إلى انسحاب إسرائيل من سيناء في عام 1982. وهكذا، كانت حرب أكتوبر 1973 بداية لعملية سلام تاريخية بين مصر وإسرائيل.

خلاصة الحكاية

حرب أكتوبر كانت حكاية من أروع حكايات التاريخ العربي. كانت حكاية شجاعة، ودماء، وكرامة، ونصر. صحيح أن الحرب لم تحقق النصر النهائي، ولكنها جلبت معها الكثير من التحولات في المنطقة، وأظهرت أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي للحفاظ على السلام، وأن القوة والعزيمة يمكن أن تفتح أبوابًا جديدة للتفاوض، وأن الأمل في النصر لا يموت أبدا

فرحة الجنود بعبور خط بارليف

جندي يقف امام اليات الاسرائلية التي دمرت بالكامل

السادات علي خط الجبهة يراقب الجانب الاخر من القناة